مقدمة القصة وسياقها التاريخي
تعود أحداث هذه القصة إلى زمن ما بعد خراب بيت المقدس على يد الملك البابلي نبوخذ نصر، الذي قاد حملة عسكرية مدمرة ضد بني إسرائيل، قتل فيها الكثير منهم، وسبى آخرين إلى بابل، وترك المدينة خرابًا بلا حياة. كانت هذه العقوبة الإلهية قد وقعت على بني إسرائيل بسبب انحرافهم عن تعاليم الأنبياء وعبادتهم الأوثان، مما أدى إلى دمار بيت المقدس وتدمير المدينة بالكامل.
مرور عزير (ع) على القرية المهجورة
يُروى أن النبي عزير (ع) كان أحد أنبياء بني إسرائيل، وكان معروفًا بالحكمة والعلم. في أحد الأيام، كان مارًا على قرية مهجورة تمامًا، حيث رأى بيوتها وقد انهارت، وأشجارها يبست، وجثث أهلها قد تحللت، ولم يكن هناك أي علامة تدل على الحياة. كانت المشاهد مروعة لدرجة أنه تساءل في نفسه:
“أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا؟“
أي: كيف يمكن أن تعود هذه القرية إلى الحياة بعد هذا الدمار؟ هل من الممكن أن يحيي الله هذه الأجساد المتحللة؟ لم يكن هذا التساؤل شكًّا في قدرة الله، وإنما رغبة في رؤية الكيفية التي يتم بها هذا الإحياء.
إماتة عزير (ع) مائة عام
استجاب الله لتساؤله بطريقة معجزة، حيث أماته مائة عام، دون أن يدرك ذلك، وكان معه طعام وشراب، وحماره الذي كان يركبه.
- عندما استيقظ عزير بعد مرور مائة عام، لم يكن لديه إحساس بأنه نام أكثر من يوم أو جزء من يوم.
- سأله الله: “كَمْ لَبِثْتَ؟“ فأجاب: “لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ“.
- عندها كشف الله له الحقيقة، وأخبره أنه لبث مائة عام ميتًا، فأدرك أنه كان شاهدًا على آية عظيمة من آيات الله.
إظهار قدرة الله على إحياء الموتى
لكي يُظهر الله لعزير كيف تتم عملية الإحياء، طلب منه أن ينظر إلى ثلاثة أشياء:
طعامه وشرابه
- وجد أن طعامه (يقال إنه كان عبارة عن تين وعنب وعصير) لم يفسد ولم يتغير طعمه، رغم مرور مائة عام.
- هذه كانت آية عظيمة، لأن الطعام عادة يفسد بعد فترة قصيرة، ولكن الله أراد أن يُريه كيف يمكنه الحفاظ على الأشياء كما هي.
حماره الذي تحلل وبقيت عظامه
- أمره الله أن ينظر إلى حماره، الذي لم يبقَ منه إلا عظام متناثرة، حيث شاهده بأم عينيه وهو يُبعث من جديد.
- بدأ العظام تتجمع، ثم تكوّنت عليها العضلات، ثم نمت الأنسجة، ثم عاد الجلد ليغطيه، وأخيرًا عادت الروح إليه، فنهق الحمار وعاد إلى الحياة كما كان.
إعادة إحياء القرية
- بعد أن شاهد عزير (ع) هذه المعجزة، أمره الله أن ينظر إلى القرية التي كانت مدمرة، فبدأ يراها تُبعث من جديد.
- عادت الأشجار خضراء، وعادت البيوت قائمة، وعاد الناس للحياة، ليشهد عزير قدرة الله المطلقة على إحياء الموتى.
عزير يعود إلى قومه
- عندما عاد عزير إلى قومه، لم يعرفوه في البداية، لأن مائة عام قد مرت، ولم يكن هناك أحد من أقرانه لا يزال حيًّا.
- ولكن كانت هناك امرأة عجوز طاعنة في السن، كانت تعرف عزيرًا قبل موته، فأعاد الله إليها بصرها وشبابها، فتعرفته وشهدت للناس أنه نبي الله عزير.
- ولما سمع بنو إسرائيل قصته ورأوا المعجزة، آمنوا به، واعتبروه من أعظم الأنبياء.
دلالات القصة وفق التفسير الشيعي
إثبات عقيدة الرجعة
القصة تدل على إمكان الرجعة، وهي العقيدة التي يؤمن بها الشيعة، بأن بعض الصالحين سيُعيدهم الله إلى الحياة قبل يوم القيامة.
قال الإمام الصادق (ع): “الرجعة سنة من سنن الله، وقد وقعت في الأمم السابقة، ومنها قصة عزير (ع)”.المعاد الجسدي وليس الروحي فقط .
القصة دليل على البعث الجسدي، حيث أُعيد عزير حيًّا بجسده، كما أُعيد الحمار، وهو ما يؤكد العقيدة الإسلامية بأن البعث يوم القيامة يكون بالجسد والروح معًا.
إثبات قدرة الله المطلقة
لا يوجد شيء مستحيل عند الله، حتى لو تحللت الأجساد واندثرت، فإنه قادر على إعادتها للحياة بنفس هيئتها السابقة.
الولاية الإلهية والعلم الإلهي
عزير (ع) لم يكن يشك في قدرة الله، لكنه أراد أن يفهم طريقة الإحياء، وهذا شبيه بسؤال النبي إبراهيم (ع) عن كيفية إحياء الطيور، مما يدل على أن الأنبياء يطلبون المعرفة لزيادة اليقين وليس للشك.
الخاتمة
قصة عزير (ع) هي واحدة من أعظم القصص التي تُظهر قدرة الله على إحياء الموتى، وهي مثال حيّ على أن الله لا يعجزه شيء، وهي أيضًا دليل على الرجعة والمعاد الجسدي، وهو ما يتوافق مع عقيدة الشيعة الإمامية.