أولاً. قصة آدم (ع) وتعليمه الأسماء وسجود الملائكة
المقدمة:
تعد قصة خلق آدم (ع) وتعليمه الأسماء وسجود الملائكة له من أعظم القصص التي وردت في القرآن الكريم، حيث تبرز مكانة الإنسان كخليفة في الأرض وأهمية العلم في تحقيق هذه الخلافة. وقد وردت هذه القصة في سورة البقرة (الآيات 30-39) مع تفاصيل خاصة في الروايات الشيعية، حيث تؤكد الروايات على أن الأسماء التي علّمها الله لآدم لم تكن مجرد أسماء عادية، بل كانت أسماء عظيمة تحمل أسرار الولاية الإلهية.
تفاصيل القصة في القرآن الكريم:
يبدأ الله سبحانه وتعالى القصة بقوله:
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة: 30).
أبدت الملائكة استغرابها وسألت: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾، فرد الله تعالى: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.
ثم قام الله بتعليم آدم الأسماء كلها، وعندما عرضها على الملائكة، لم يتمكنوا من معرفتها، فقالوا: ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾.
ثم طلب الله من آدم أن يخبرهم بتلك الأسماء، وعندما فعل، أقرّت الملائكة بعلم الله وحكمته. بعد ذلك، أمرهم الله بالسجود لآدم، فسجدوا جميعًا إلا إبليس الذي استكبر ورفض، فطرده الله من رحمته.
الروايات الشيعية وتفسير القصة:
يروي تفسير “البرهان” للسيد هاشم البحراني عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال:
“إن الله علّم آدم أسماء حججه كلها، ثم عرضهم وهم أرواح على الملائكة، فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين”.
وتوضح الروايات الشيعية أن هذه الأسماء كانت أسماء محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، مما يؤكد أن خلافة الإنسان في الأرض تتعلق بمعرفة هذه الأسماء والارتباط بها.
كما يذكر الإمام الباقر (عليه السلام) أن إبليس رفض السجود ليس لأنه لم يكن يعرف قدر آدم، بل لأنه حسد نور محمد وآل محمد الذي كان في صلبه.
خروج آدم (ع) من الجنة وتوبته:
وسوس الشيطان لآدم وحواء وأغواهما ليأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عنها، فلما خالفا الأمر الإلهي نزلوا إلى الأرض، لكن الله علمهم التوبة وقبلها منهم.
قال تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ (البقرة: 37).
وتُفسّر الروايات هذه الكلمات بأنها أسماء أهل البيت (عليهم السلام)، حيث كان آدم يتوسل إلى الله بحقهم ليقبل توبته.
العبر المستفادة:
1. العلم هو أساس الخلافة: تعليم آدم للأسماء يدل على أن الإنسان يصلح للخلافة بالعلم والمعرفة.
2. الاختبار الحقيقي هو الطاعة: إبليس لم يكن يفتقر للعلم، لكنه سقط في الامتحان بسبب تكبره.
3. الولاية الإلهية: الروايات الشيعية تؤكد أن أسماء أهل البيت (عليهم السلام) كانت جزءًا من سر الخلافة.
4. التوبة باب مفتوح دائماً: رغم خطأ آدم، فإن باب الرحمة الإلهية مفتوح لكل من يعود إلى الله بقلب مخلص.
الخاتمة:
هذه القصة تحمل في طياتها الكثير من الدروس التي تفيد الإنسان في رحلته الإيمانية، فهي تعلمنا أن الإنسان ليس مجرد مخلوق عادي، بل خليفة في الأرض مكلف بالعلم والطاعة، وأن الشيطان سيظل عدواً له، ولكن باب التوبة والرجوع إلى الله مفتوح دائمًا.