البعض ينقل عن بعض النسابة الهاشميين زواج سكينة بنت الحسين (ع) من مصعب الزبيري، ويحتج بذلك على الإمامية، فما حقيقة هذا الزواج وهل تم فعلا؟
من المعلوم لمن تصفح كتب التاريخ والأنساب وتعمق بها أنه يمكن ارسال مقولة لمؤلف من المتقدمين فيتلقفها المتأخرون وتكثر في الكتب وتُشتهر، وهي في حقيقتها تعود إلى قائلها الأول، وفي هذه الحالة ينبغي عدم التهويل بكثرة الناقلين، وعلو مقامهم وشهرة الحادثة، فرب مشهور لا أصل له، بل ينبغي الرجوع إلى أصل المقولة وتحقيقها.
أما النسابة الهاشمي الذي ذكروه فهو علي بن محمد العلوي العمري ( ت 490هـ) وهو من الإمامية، حيث قال : (وأما سكينة فخرجت الى مصعب بن الزبير وقتل عنها ، فلما جاءت الكوفة خرج إليها أهلها ، فقالت : لامر حبابكم يا أهل الكوفة أيتمتموني صغيرة وأرملتموني كبيرة ) المجدي في أنساب الطالبين ، ص 92
ولنا ملاحظات نسجلها على كلام السيد العلوي:
ـ لا نجد في كتب الإمامية المتقدمة من أشار إلى زواج سكينة من مصعب غير السيد العلوي العمري.
ـ إن النسابة علي بن محمد العلوى صاحب النص أعلاه، قد ذكر كلامه دون اسناد، مع العلم أنه توفي في أواخر القرن الخامس الهجري ( 490هـ) فبينه وبين هذا الحدث مدة طويلة، فكلامه مرسل لا اعتبار له إلا إذا كانت له شواهد في كتب الإمامية الأخرى، في عصره أو قبل عصره وهي مفقودة.
ـ إن النسابة العلوي رحمه الله نقل عن الزبير بن بكار في كتابه (المجدي في أنساب الطالبيين) ص 340، نقل عنه عن عروة بن الزبير وكلاهما متهمان، وهذا يعني امكانية نقل صاحب كتاب المجدي زواج سكينة من مصعب عنه.
ـ إن نقل صاحب كتاب المجدي عن ابن بكار ولو في مورد واحد، يستلزم الحذر وتحقيق نصوصه قبل ردها أو قبولها.
ـ أنكر بعض محققي الإمامية ومنهم الشيخ عبد الرزاق المقرم زواج سكينة من مصعب في كلام له مفصل في كتابه حول حياة سكينة ع. قال رحمه الله : ( لقد تجلى لنا ونحن نسبر المدونات ونمحص الاحاديث ان اول من وضع الاحاديث الشائعة في ابنة الحسين (سكينة ) مصعب الزبيري المتوفي سنة 236 في كتابه ( نسب قريش ) لينصرف المغنون والشعراء عن ابنتهم سكينة بنت خالد بن مصعب بن الزبير التي تجتمع مع ابن ابي ربيعة الشاعر والمغنيات يغنين لهم،
وزمر بها مرافقه في بغداد المدائني المتوفي سنة 225 وزاد عليها الزبير بن بكار وابنه وتلقاها المبرد المتوفي سنة 285 عن هؤلاء الوضاعين وعنه اخذها تلميذه الزجاجي وغيره من دون تمحيص فاضلوا كثيراً من الكتاب والمؤرخين حتى رووها بلا اسناد موهمين انها من المسلمات.
ثم جاء ابو علي القالي تلميذ الزجاجي الاموي الفكرة والعقيدة فسجل في اماليه ما تلقاه من استاذه قصداً للحط من كرامة البيت العلوي خصوصاً وقد تقلب في نعمة الناصر عبدالرحمن الاموي). السيد سكينة، المحقق السيد عبد الرزاق المقرم
ـ نقل المتأخرون من الإمامية زواج سكينة من مصعب في كتبهم، ومجرد النقل لا يدل على صحة الخبر بعد أن بينا ارساله وضعفه.
ـ إن كتاب المجدي في أنساب الطالبيين وإن كان معتمدا مشهورا، فهذا لا يعني صحة كل ما فيه، بل ينبغي تحقيق أقواله ومضامينه خاصة إن لم تكن متعلقة بالأنساب، فالكافي أكثر شهرة واعتمادا منه، مع ذلك يذهب البعض إلى تضعيف الكثير من أحاديثه.
ـ من يحاجج، فينبغي له أن يحتج بنص ثابت أو معتبر، ونص كتاب المجدي مرسل.
ـ لقد كذبوا على سكينة ع كثيرا ونسبوا لها ما لا يصدر عنها تشويها لسمعة الهاشميين وذريتهم، فهذا أبو الفرج الأصبهاني الزيدي يروي أنها راسلت الشاعر عمر بن أبي ربيعة هي وبعض النساء وسهرن معه حتى الصباح.
قال ابو الفرج : ( حديثه مع سكينة بنت الحسين وما قاله فيها من الشعر أخبرني عليّ بن صالح قال حدّثنا أبو هفّان عن إسحاق عن أبي عبد اللَّه الزّبيريّ قال : اجتمع نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف ، فتذاكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن حديثه ، فتشوّقن إليه وتمنّينه ، فقالت سكينة بنت الحسين عليهما السّلام : أنا لكنّ به . فأرسلت إليه رسولا وواعدته الصّورين ، وسمّت له الليلة والوقت ، وواعدت صواحباتها ، فوافاهنّ عمر على راحلته ، فحّدثهنّ حتى أضاء الفجر…) الأغاني ، ج 1 – ص 146 – 147
هذا كلام لا ينبغي نسبته لبنات آل الرسول وهو من الاكاذيب، وحاشا سكينة من ذلك.
لقد كانت سكينة مثالا للعفة والطهارة ، قال الصحابي سهل بن سعد يصف الحال حين جاءوا بسبايا كربلاء إلى الشام : ( ورأيت نسوة مهتكات ، فجعلت انظر إليهن متأسفا ، فأقبلت جارية على بعير ، بغير وطاء ولا غطاء ، عليها برقع خز ، وهي تنادي : يا أخي ، يا خالي ، يا أبي ، يا جدي ، يا جدتي ، وامحمداه ، واعلياه ، واحسيناه ، واعباساه ، هلكت عصابة محمد المصطفى ، على يدي أبي سفيان وعتبة . قال سهل : فجعلت أنظر إليها ، فصاحت بي صيحة عظيمة ، وقالت : ويلك يا شيخ أما تستحي من الله تتصفح وجوه بنات رسول الله ؟ ! فقلت : والله يا مولاتي ما نظرت إليكم إلا نظر حزن وأنا مولى من مواليكم . فقالت : من أنت ؟ فقلت : أنا سهل بن سعد ، قد رأيت جدك رسول الله من أنت رحمك الله ؟ قالت : أنا سكينة بنت الحسين . ثم التفت ، فرأيت زين العابدين ، فبكيت ، وقلت : يا مولاي أنا من شيعتكم ، وقد استمنيت أن أكون أول قتيل قتل بين يدي أبيك هل من حاجة ؟ فقال : معك شئ من المال ؟ قلت : نعم ، ألف دينار وألف درهم ، فقال : ادفع منها شيئا إلى حامل الرأس ، وسله أن يبعد الرأس من بين يدي الحرم ، فتشتغل الناس بالنظر إليه عن حرم رسول الله ، وأن يحملنا في طريق قليل النظارة ، فقد أوذينا من أوغاد الناس) مدينة المعاجز،هاشم البحراني، ج4 ص 109 ـ 110
ـ سُئل العلامة الحلي (ت 726هـ) : (ما يقول سيدنا الإمام العلامة فيما ينقل عن سكينة بنت الحسين عليه السلام أنها كانت تراجع الشعراء وتكلمهم وتخبرهم ، فهل هذا صحيح أم لا ، وهل كانت تخاطبهم مشافهة أو على لسان أحد ، وفي فاطمة بنت الحسين عليه السلام هل صح أنها تزوجت بعبد اللَّه بن عمر وابن عثمان ، فان ذلك نقلا شائعا ويقولون أنها ولدت منه محمد الذي يكني بالديباج ، فهل هذا صحيح أم لا؟
الجواب: لا يجوز أن ينسب أحد من الذرية إلى ارتكاب محرم متفق على تحريمه ، واسناد النقص إلى الرواة أولى من إسناده إليهم عليهم السلام ) أجوبة المسائل المهنائية ، ص 39
ـ قال ابن قتيبة : ( وأما « إبراهيم بن عبد الرحمن ـ بن عوف ـ » ، فكان سيد القوم ، وكان قصيرا ، وتزوّج « سكينة بنت الحسين » ، فلم يرض بذلك بنو هاشم ، فخلعت منه ) المعارف ، ص 237
ونص ابن قتيبة يدل على أن لبني هاشم رأيا في تزويج بناتهم وهذا هو الصحيح، ونراهم يرفضون تزويج سكينة من إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، فكذلك هم يرفضون تزويج سكينة من أحد ابناء الزبير مع ظهور عداوتهم وبغضهم لأهل البيت ع على افتراض تقدم الزبير للزواج منها.
ـ لو افترضنا صحة ما يُقال ، فإن الزواج من ظالم أو فاسق يجوز ما دام ظاهره الإسلام ولا يدل بالضرورة على المحبة وتدين صاحبه، فقد يكون رجل له سلطة وسطوة ، فيخشاه الناس ويزوجوه بناتهم إذا طلب منهم ذلك، هذه آسية امرأة فرعون، من نساء اهل الجنة وأفضلهن بعد فاطمة وخديجة ومريم ع، كانت متزوجة من كافر يدعي الألوهية، قال تعالى : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) التحريم، 11
نخلص بعد هذا السرد إلى عدم صحة هذا الزواج، لعدم ثبوته في المصادر الإمامية بسند معتبر.