يحاول بعض المرضى نشر شبهة مفادها :
أنَّ مَن قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) هم نفس الشيعة الذين يبكون عليه .
فبعد أنْ أرسلوا له رسائل تدعوه للقدوم ، وأرسل لهم رسوله مسلم بن عقيل فبايعوه ، ثم خذلوه وتركوه يواجه مصيره بالقتل على يد عبيد الله بن زياد !!
ومن ثم خذلوا الإمام الحسين نفسه ،
بل وشاركوا بقتله !!
الجواب :
لابد من الإشارة بدءاً الى أنَّ هذه الدعوى إنّما هي دعوى متأخرة حاولت ( الوهابية ) إشاعتها وترسيخها بقوة في العصور الأخيرة ، ولم تصدر من أيٍّ من مؤرخي العامة من المتقدمين ، مع أنَّ فيهم مَن لا يقل حقداً ولؤماً عن معاصرينا .
والقارئ للتاريخ لا يحتاج إلّا الى قليل من الإنصاف ليدرك أنَّ قتلة الحسين ( عليه السلام ) لم يكونوا من الشيعة .
وتوضيح ذلك في نقاط :
أولاً :
الشيعة لغة : من المشايعة ، أي المتابعة والمناصرة والموالاة ،
فالشيعة بالمعنى اللغوي : هم الأتباع والأنصار .
وقد غلب هذا الاسم على أتباع علي ( عليه السلام ) حتى أختص بهم ، وأصبح إذا أُطلق ينصرف إليهم .
وبهذا المعنى اللغوي استعمل القرآن الكريم لفظة ( الشيعة ) ،
كما في قوله تعالى :
( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ ) ( 1 ) .
أي ممَن شايعه وتابعه في دعوته لله سبحانه .
وكما في قوله سبحانه :
( فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ) ( 2 ) .
أي ممن شايعه على دينه من بني إسرائيل .
وأمّا اصطلاحاً :
فيطلق التشيع ويُراد به أحد معنيين :
التشيع بالمعنى الأعم وهو حب أهل البيت ( عليهم السلام ) . والتشيع بهذا المعنى يمكن أنْ يوصف به جميع المسلمين عدا مرضى القلوب من النواصب والوهابية وأتباعهم .
التشيع بالمعنى الأخص وهو تقديم عليٍّ على غيره ، وهكذا تقديم بقية أئمة أهل البيت . ولعل هذا المعنى هو المقصود بمصطلح الروافض عندهم ،
أي : الإعتقاد بوجوب التولي والتبري ، وجوب تولي أهل بيت العصمة والتبري ممن أبعدهم عن حقهم .
فالشيعي بهذا المعنى يُقَدّم الأئمة الأثني عشر على غيرهم ، ويرفض أية أحقية للغير في إبعادهم عن إمامتهم للأمة .
والكوفة في عهد أمير المؤمنين وإنْ كان فيها رجحان للشيعة بالمعنى الأعم اي الذين لا يبغضون أهل البيت ، لكن الشيعة بالمعنى الأخص لم يكونوا أكثرية فيها .
وبعبارة : لم يكن الشيعة في الكوفة هم الأكثرية ، نعم أكثرية الشيعة هم من أهل الكوفة .
يشهد لذلك : أنَّ بعض المصادر التاريخية نقلت أنَّ أمير المؤمنين في أول خلافته منعهم من صلاة التراويح فضجّوا واعترضوا إعتراضاً شديداً ، ونادوا ” واسُنة عمراه ” ، فتركهم .
فعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه قال :
( لقد أمرت الناس أنْ لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّا في فريضة وأعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : يا أهل الاسلام غُيّرت سُنة عمر ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعاً )( 3 ) .
كتب أبن ابي الحديد :
” أنَّ عمر خرج في شهر رمضان ليلاً فرأى المصابيح في المسجد ، فقال : ما هذا ؟ فقيل له : إنَّ الناس قد اجتمعوا لصلاة التطوع ، فقال : بدعة فنعمت البدعة ،
فاعترف كما ترى بأنها بدعة ، وقد شهد الرسول صلى الله عليه وآله أنَّ كل بدعة ضلالة .
وقد روي أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام لما اجتمعوا إليه بالكوفة فسألوه أنْ ينصب لهم إماماً يصلي بهم نافلة شهر رمضان ، زجرهم وعرّفهم أنَّ ذلك خلاف السنة فتركوه واجتمعوا لأنفسهم وقدموا بعضهم ، فبعث إليهم ابنه الحسن عليه السلام فدخل عليهم المسجد ومعه الدرة فلما رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا واعمراه ” ( 4 ) .
فليس كلّ من صلّى خلف علي ( عليه السلام ) أو قاتل في جيشه لابد أنْ يكون شيعياً بالمعنى الأخص ، اذ الامام علي كان بنظرهم الخليفة الرابع للمسلمين فيقبلونه بهذا العنوان لا بعنوان أنّه الأمام المفترض الطاعة .
وهذا لايتنافى مع مقولة الفرزدق المشهورة :
” قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أمية ” ، فكون قلوبهم معه لا يدل على أنّهم كانوا شيعة بالمعنى الأخص .
بل لعل هذه المقولة بنفسها تشهد على أنّ أكثرية أهل الكوفة كانوا لا يدينون بعقيدة التولي والتبري ، فغاية ما هناك أنّهم كانوا محبين فقط دون عقيدة تدفعهم للتضحية .
على أنَّ بعضهم كانوا من الخوارج والنواصب .
بل وفي عهد الإمام الحسين كان بعضهم معلناً لولائه لبني أمية .
ويشهد لذلك : أنَّ الإمام الحسين حينما قال لهم :
( يا ويلكم أتقتلوني على سُّنة بدلتها ؟
أم على شريعة غيرتها ؟ … )
فقالوا له : ” إنا نقتلك بغضا لأبيك ” ( 5 ) .
ويشهد لذلك ايضاً كلمة لعبيد الله بن الحر الجعفي ، عندما التقى بركب الحسين في الطريق ، ودعاه الإمام لنصرته ، قال :
” أنّه إنّما دعاني من الخروج إلى الكوفة حين بلغني أنك تريدها فرار من دمك ودماء أهل بيتك …
الى أنْ قال : والحسين ليس له ناصر بالكوفة ولا شيعة يقاتل بهم ” ( 6 ) .
وهذا شاهد واضح على عدم تشيع كثير منهم .
عظّم الله أجوركم .
( 1 ) الصافات : 83 .
( 2 ) القصص : 15 .
( 3 ) الكليني ، محمد بن بعقوب ، ( ت : 329 هج ) ، الكافي ، ج 8 ، ص 62 – 63 ، الناشر : دار الكتب الإسلامية ، طهران .
( 4 ) المعتزلي ، أبن أبي الحديد ، ( ت : 656 هج ) ، شرح نهج البلاغة ، ج 12 ، ص 283 ، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، قم .
( 5 ) القندوزي الحنفي ، الشيخ سليمان بن ابراهيم ، ( ت : 1294 هج ) ، ينابيع المودة ، ج 3 ، ص 80 ، الناشر : دار الأسوة للطباعة والنشر .
( 6 ) السماوي ، الشيخ محمد بن طاهر ، ( ت : 1370 هج ) ، إبصار العين في أنصار الحسين ، ص 151 ، الناشر : مركز الدراسات الإسلامية ، ط 1 .
**
( له تتمة )
سماحة الشيخ حسن عطوان